سورة الكهف - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)}
{تَّزَاوَرُ} أي تمايل، أصله تتزاور فخفف بإدغام التاء في الزاي أو حذفها. وقد قرئ {بهما}. وقرئ {تزورّ وتزوارّ} بوزن تحمرّ وتحمارّ، وكلها من الزور وهو الميل. ومنه زاره إذا مال إليه. والزور: الميل عن الصدق {ذَاتَ اليمين} جهة اليمين وحقيقتها. الجهة المسماة باليمين {تَّقْرِضُهُمْ} تقطعهم لا تقربهم من معنى القطيعة والصرم. قال ذو الرمة:
إلَى ظُعُنٍ يَقْرِضْنَ أَقْوَازَ مُشْرِف *** شَمِالاً وَعَنْ أَيْمَانِهنَّ الْفَوَارِسُ
{وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مّنْهُ} وهم في متسع من الكهف. والمعنى أنهم في ظل نهارهم كله لا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا غروبها، مع أنهم في مكان واسع منفتح معرّض لإصابة الشمس لولا أنّ الله يحجبها عنهم. وقيل: في متفسح من غارهم ينالهم فيه روح الهواء وبرد النسيم ولا يحسون كرب الغار {ذلك منءايات الله} أي ما صنعه الله بهم- من ازورار الشمس وقرضها طالعة وغاربة- آية من آياته، يعني: أنّ ما كان في ذلك السمت تصيبه الشمس ولا تصيبهم، اختصاصاً لهم بالكرامة. وقيل: باب الكهف شمالي مستقبل لبنات نعش، فهم في مقنأة أبداً ومعنى (ذلك من آيات الله) أنّ شأنهم وحديثهم من آيات الله {مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد} ثناء عليهم بأنهم جاهدوا في الله وأسلموا له وجوههم، فلطف بهم وأعانهم، وأرشدهم إلى نيل تلك الكرامة السنية والاختصاص بالآية العظيمة، وأن كل من سلك طريقة المهتدين الراشدين فهو الذي أصاب الفلاح، واهتدى إلى السعادة، ومن تعرّض للخذلان، فلن يجد من يليه ويرشده بعد خذلان الله.


{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)}
{وَتَحْسَبُهُمْ} بكسر السين وفتحها: خطاب لكل أحد والأيقاظ: جمع يقظ، كأنكاد في نكد. قيل: عيونهم مفتحة وهم نيام، فيحسبهم الناظر لذلك أيقاظاً وقيل: لكثرة تقلبهم وقيل: لهم تقلبتان في السنة وقيل: تقلبة واحدة في يوم عاشوراء. وقرئ {ويقلبهم} بالياء والضمير لله تعالى. وقرئ {وتقلبهم} على المصدر منصوباً، وانتصابه بفعل مضمر يدل عليه {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا} كأنه قيل: وترى وتشاهد تقلبهم.
وقرأ جعفر الصادق {وكالبهم} أي وصاحب كلبهم {باسط ذِرَاعَيْهِ} حكاية حال ماضية؛ لأنّ اسم الفاعل لا يعمل إذا كان في معنى المضي، وإضافته إذا أضيف حقيقية معرفة، كغلام زيد، إلا إذا نويت حكاية الحال الماضية. والوصيد: الفناء، وقيل: العتبة. وقيل: الباب. وأنشد:
بِأَرْضٍ فَضَاء لاَ يُسَدُّ وَصِيدُهَا *** عَلَىَّ وَمَعْرُوفِي بِهَا غَيْرُ مُنْكَرِ
وقرئ {ولملئت} بتشديد اللام للمبالغة. وقرئ (بتخفيف الهمزة وقلبها ياء). و{رُعْبًا} بالتخفيف والتثقيل، وهو الخوف الذي يرعب الصدر أي يملؤه، وذلك لما ألبسهم الله من الهيبة. وقيل: لطول أظفارهم وشعورهم وعظم أجرامهم. وقيل: لوحشة مكانهم.
وعن معاوية أنه غزا الروم فمرّ بالكهف فقال: لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم، فقال له ابن عباس رضي الله عنه: ليس لك ذلك، قد منع الله تعالى منه من هو خير منك فقال: {لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا} فقال معاوية، لا أنتهي حتى أعلم علمهم، فبعث ناساً وقال لهم: اذهبوا فانظروا، ففعلوا، فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحاً فأحرقتهم. وقرئ: {لوُ اطلعت}، بضم الواو.


{وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)}
{وكذلك بعثناهم} وكما أنمناهم تلك النومة كذلك بعثناهم، إدكاراً بقدرته على الإنامة والبعث جميعاً ليسأل بعضهم بعضاً ويعرفوا حالهم وما صنع الله بهم، فيعتبروا، ويستدلوا على عظم قدرة الله تعالى ويزدادوا يقيناً، ويشكروا ما أنعم الله به عليهم وكرموا به {قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} جواب مبني على غالب الظن. وفيه دليل على جواز الاجتهاد والقول بالظن الغالب، وأنه لا يكون كذباً وإن جاز أن يكون خطأ {قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} إنكار عليهم من بعضهم، وأن الله أعلم بمدّة لبثهم، كأنّ هؤلاء قد علموا بالأدلة أو بإلهام من الله أنّ المدة متطاولة، وأنّ مقدارها مبهم لا يعلمه إلا الله.
وروي أنهم دخلوا الكهف غدوة وكان انتباههم بعد الزوال، فظنوا أنهم في يومهم، فلما نظروا إلى طول أظفارهم وأشعارهم قالوا ذلك.
فإن قلت: كيف وصلوا قولهم {فابعثوا} بتذاكر حديث المدة؟ قلت: كأنهم قالوا: ربكم أعلم بذلك، لا طريق لكم إلى علمه، فخذوا في شيء آخر مما يهمكم. والورق: الفضة، مضروبة كانت أو غير مضروبة. ومنه الحديث: «أنّ عرفجة أصيب أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفاً من ورق فأنتن، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب» وقرئ: {بورْقكم} بسكون الراء والواو مفتوحة أو مكسورة.
وقرأ ابن كثير {بورِقكم}، بكسر الراء وإدغام القاف في الكاف.
وعن ابن محيصن أنه كسر الواو وأسكن الراء وأدغم، وهذا غير جائز لالتقاء الساكنين لا على حده. وقيل: المدينة طرسوس. قالوا: وتزوّدهم ما كان معهم من الورق عند فرارهم: دليل على أنّ حمل النفقة وما يصلح المسافر هو رأي المتوكلين على الله، دون المتكلين على الاتفاقات وعلى ما في أوعية القوم من النفقات. ومنه قول عائشة رضي الله عنها- لمن سألها عن محرم يشدّ عليه هميانه-: أوثق عليك نفقتك. وما حكي عن بعض صعاليك العلماء أنه كان شديد الحنين إلى أن يرزق حج بيت الله، وتعولم منه ذلك، فكانت مياسير أهل بلده كلما عزم منهم فوج على حج أتوه فبذلوا له أن يحجوا به وألحوا عليه، فيعتذر إليهم ويحمد إليهم بذلهم، فإذا انفضوا عنه قال لمن عنده: ما لهذا السفر إلا شيئان: شدّ الهميان، والتوكل على الرحمن {بَيْنَهُمْ} أيّ أهلها، فحذف الأهل كما في قوله {واسئل القرية} [يوسف: 82]، {أزكى طَعَامًا} أحلّ وأطيب وأكثر وأرخص {وَلْيَتَلَطَّفْ} وليتكلف اللطف والنيقة فيما يباشره من أمر المبايعة حتى لا يغبن. أو في أمر التخفي حتى لا يعرف {وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} يعني: ولا يفعلنّ ما يؤدي من غير قصد منه إلى الشعور بنا، فسمى ذلك إشعاراً منه بهم؛ لأنه سبب فيه الضمير في {إِنَّهُمْ} راجع إلى الأهل المقدر في {أَيُّهَا}. {يَرْجُمُوكُمْ} يقتلوكم أخبث القتلة وهي الرجم، وكانت عادتهم {أَوْ يُعِيدُوكُمْ} أو يدخلوكم {فِى مِلَّتِهِمْ} بالإكراه العنيف ويصيروكم إليها. والعود في معنى الصيرورة أكثر شيء في كلامهم، يقولون: ما عدت أفعل كذا، يريدون ابتداء الفعل {وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا} إذ دخلتم في دينهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8